قبل دقائق كان عمري رقما و الآن صار رقما آخر…
سنة من عمري مرت و انقضت قبل دقائق،ماذا يعني ذلك؟،لاشيئ تقريبا، غير انني تقدمت خطوات أخرى نحو النهاية،النهاية التي نخشاها جميعا،ولانعتقد للحظة بأنها قد تكون خلاصنا من عالم الأحقاد والضغائن،والغبن والظلم والتهميش وتقسيم العباد الى أشراف وأطراف بدون عمل وبدون تقديم تضحية للجمع.
حقا لا أعلم..قبل دقائق كان عمري رقما والآن صار رقما آخر..لم أحتفل يوما بهذا الحدث،ببساطة لأنني لم أمتلك في طفولتي ثمن الكعكة والشموع، ولم ارتبط بأصدقاء يفهمون معنى صرخة واااااو بعد النفث فأقلدهم،كما أن والدي لم يهتم ابدا،أما والدتي فتعده من البدع،وان كان بعض زملائي العرب في التلفزيون قد احتفلوا يوما بالحدث ..يومها أقمت لهم شايا موريتانيا في الاستوديو كتعبير عن امتناني،ضحكنا وانتشينا،ثم قبل عام تذكر شخص أحبه أيما حب عيد ميلادي فأهداني ساعة كانت أول ساعة تبقى على معصمي لمدة تزيد على الساعة..ولتعاقب الليل والنهار تركت الهدية أثرا في معصمي لايضاهي في رسوخه الأثر الذي تركته في قلبي..أحب صاحب الهدية لأنه رائع ولأنه عرفني ومنحني اهتماما، واعتبر -طيبة منه- ان يوم دخولي العالم كان يوما مهما.
كل يوم من حياتي الماضية منحني درسا غاية في الأهمية، لكن السنة الأخيرة لوحدها كانت سنة التخرج الذهني من مدرسة الحياة،فقد اكتملت معارفي وخاصة فيما يتعلق ببلدي:علمتني قضية الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز برمتها ان ساستنا يكذبون،ويريدون منا تصديقهم،أو الصمت حتى لانتهم بأننا انصار للرجل أو متعاونون معه، لاعقدة اطلاقا من ذلك فمخابراتهم تعرف من يأخذ من عزيز ليدافع عنه ومن يأخذ منهم ليدافع عنهم،..عزيز عارضناه قويا حين تملقوه،وصرخنا في العير يومها انكم جميعكم لسارقون،غاصبون،ناهبون…من الجنون ان تعارض نظاما ويعارضه معك الجميع ثم حين يذهب رئيسه لوحده ولوحده فقط، يتحول النظام الى ولدان مخلدين يطوفون على البؤساء بأكواب وأباريق وكأس من معين وتتحول البلاد البائسة الى جنة نعيم.
بتُّ انظر اليهم بدون استثناء واستمع الى خطاباتهم بكل تقزز واشمئزاز..أشيح بنظري متى رأيت أحدهم حتى لاأحرجه، وكأنه خرج للتو من ماخور “الأم راستا”..انها السياسة كما يقولون،وبهذا المنطق وبميلاد هذه الأخوية الجديدة غدت معارضتنا لمعاوية عهرا،ومعارضتنا لعزيز أصبحت بغاء،لأن منتهاها جلب ظالم وتأليهه..وسأندم ماحييت على تخندقي مع أهل السياسة ذات يوم في مواقفنا المشتركة لأنهم كانوا وهم يعارضون ينتقمون،ولأنهم الآن جميعهم رضوا بالعذاب والغبن والتهميش للشعب مادام ولد عبدالعزيز في السجن وماداموا هم على مقربة من جلسة السلطة؟
قررت بعد تخرجي هذا البقاء كما أنا في شجبي للنفاق والتملق وتغول زعامات الوهم ومشيخات الظلم والنفعية،وتصاعد الأفكار التمييزية الكاذبة،وفي مطالبتي بمحاكمة جميع الساسة من الرؤساء والوزراء والقادة وكل من ثبت نهبه لبلادي،لكن لوحدي ودون الحاجة للساسة والقادة والأحزاب المعارضة والنقابات والتنظير والايديولوجيا، ببساطة لأنها انتفت العام الماضي فقد انتقمت واكتفت بايداع رجل السجن بدون محاكمة.
علمتني السنون وموت خلص أصدقائي الواحد تلو الآخر بأنني الميت القادم لامحالة وبأن ماينتظرني لن يشفع لي فيه سيد ولا أب ولاعم ولاصديق ولاشيخ قبيلة ولاجنرال ورق ولاوزير ،لهذا لن أنافق،لن اجامل،والحقيقة انه لايمنعني من تسمية الأشخاص الذين يعبثون بأقدارنا دائما الا احساس عميق بالألم الذي قد أسببه لأبنائهم وأمهاتهم،ولهذا أتكلم غالبا عن العصابة ككل،برئيسها،ومعاونيه والتابعين لهم الى آخر السلسلة المقيتة.
تقدمت في السن،والحقيقة انني تراجعت،اذ أتقدم نحو النهاية.
وعلى ذكر عيد الميلاد فثمة فكرة تفرض علي كتابتها وهي ان الكثيرين لايحتفلون بأعياد ميلاد أبنائهم بسبب العجز،فلماذا لانفتح حسابا نسميه دعم عيدالميلاد،ونطلب من الأب العاجز الابلاغ عن عيد ميلاد شخص يهتم له،ثم نرسل الرجل الى محل يأخذ منه الكعكة والهدايا وينصرف دون أن يعرفه أحد.
فقط، تخيلوا معي شعور هذا الرجل وهو يجلب لأبنائه أغراض عيد الميلاد،فلايحسون بضعفه وسيتمكنون من ان يفاخروا أبناء الجيران بهدايا الوالد الفرح..لا أعرف،هل عيد الميلاد مهم،وهل يجوز،لكنه كممارسة أصبح واقعا ودخل دون استئذان،ولأنه دخل في عادات بعض أسرنا فعلينا الاكتراث لبريق عيون الأطفال ودموعهم وشرودهم حين الغيرة والاحساس بعجز الأبوين.
ربما هذا أيضا لايهم الكثيرين.
سنة أخرى من عمري بدأت وأخرى انقضت،وأسأل الله أن ينهزم الشر في عامي هذا،وأن أحصل على ثروة أقسمها بين الجائعين،فلاجائعين،وأن اسعد البائسين،فلابائسين..ماذا اريد أكثر من هذا؟
حقا لاشيئ.
في النهاية وأنا أكتب هذه الأحرف أقسم بالله صادقا بأنني لا أكره احدا،ولا أكن ضغينة ولاحقدا، لكنني أغضب للضعفاء،وأبكي لبكائهم حتى اذا ضعف الظلمة وانكسروا رفعت عنهم مشاعر غضبي وعدت الى انكفائي ومناجاتي لأناس آخرين ربما لايدركون كم يعذبني حالهم وكم يعذبني أكثر عجزي عن تغيير العالم من أجلهم.
في النهاية سأذهب كما ذهب الكثيرون عن مرجل لم ينضج،وكان معدا لأطفال جائعين، ثم اختطفه الآثمون، وبقي الأطفال بلاطعام،وسيظلون فلا خليفة مثل عمر في هذه الدنيا.
تصبحون على حب
بقلم الكاتب و الصحفي /Mohamed Lemin Mahmoudi